بعد عقود من التجاهل.. كوريا الجنوبية تتعهد بإنهاء التبني الخارجي تحت ضغط الأمم المتحدة
بعد عقود من التجاهل.. كوريا الجنوبية تتعهد بإنهاء التبني الخارجي تحت ضغط الأمم المتحدة
أعلنت حكومة كوريا الجنوبية عن نيتها إنهاء عمليات التبني الدولي للأطفال الكوريين، وذلك في وقت أعرب فيه محققو الأمم المتحدة عن "قلقهم البالغ" حيال ما وصفوه بتقاعس سيول عن ضمان كشف الحقيقة وتقديم التعويضات عن الانتهاكات الواسعة المرتبطة ببرنامج التبني الجماعي من الخارج.
ونشر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رد كوريا الجنوبية على المحققين الذين طالبوا سيول بوضع خطط عملية لمعالجة مظالم الأطفال المتبنين الذين أُرسلوا إلى الخارج بسجلات مزورة أو تعرضوا للإيذاء من قبل آباء أجانب.
ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، تبرز هذه القضية النادرة على مستوى الأمم المتحدة، رغم تزايد الضغوط لمعالجة عمليات الاحتيال وسوء المعاملة التي شابت برنامج التبني، خصوصًا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما أُرسل آلاف الأطفال سنويًا إلى الغرب.
تراجع التبني الدولي
صرّح نائب وزير الصحة والرعاية الاجتماعية لي سوران، خلال مؤتمر صحفي، بأن كوريا الجنوبية ستُقلّص تدريجيًا عمليات التبني الدولي على مدى خمس سنوات، بهدف الوصول إلى الصفر بحلول عام 2029 بوصفه حداً أقصى، في إطار تشديد سياسات الرعاية الاجتماعية للأطفال المحتاجين.
وأوضح لي أن كوريا الجنوبية وافقت على تبني 24 طفلًا من الخارج في عام 2025، مقارنة بنحو 2000 طفل في عام 2005، ومتوسط سنوي يزيد على 6000 طفل خلال ثمانينيات القرن الماضي.
وأشار إلى أن إعادة هيكلة نظام التبني ليصبح إطارًا عامًا، وزيادة دور وزارة الصحة والحكومة في الموافقة على التبني، تُتيح فرصة لإعادة تقييم ضرورة التبني الدولي، مع تشجيع التبني المحلي.
وركّز مسؤولون في وزارة الصحة خلال إحاطة الأمم المتحدة على التحسينات المستقبلية بدلًا من مشاكل الماضي، وقالت لي: "كانت عمليات التبني تُدار في الغالب من قِبل وكالات التبني الخاصة سابقًا، ورغم أنها كانت تُعطي الأولوية لمصلحة الطفل الفضلى، إلا أنه ربما كانت هناك مصالح أخرى متضاربة".
حالة يوري كيم
أثار محققو الأمم المتحدة، ومنهم المقررون الخاصون المعنيون بالاتجار بالبشر والاختفاء القسري وإساءة معاملة الأطفال، قضية التبني مع سيول بعد أشهر من التواصل مع يوري كيم.
أُرسلت كيم، البالغة من العمر 52 عامًا، إلى عائلة فرنسية عام 1984 دون موافقة والديها البيولوجيين، مستندة إلى وثائق زوّرت نسبها ووصفتها بأنها يتيمة مهجورة.
قدمت كيم التماسًا إلى الأمم المتحدة لمحاسبة الحكومات ووكالات التبني في كوريا الجنوبية وفرنسا، مشيرةً إلى تعرضها لإساءة جسدية وجنسية بالغة من قبل والديها بالتبني.
واستند محققو الأمم المتحدة إلى قضايا هيكلية أوسع، وانتقدوا كوريا الجنوبية لتقاعسها عن منح المتبنين سبل انتصاف فعالة في حالات الانتهاكات الجسيمة، مع احتمال حرمانهم من حقوق معرفة الحقيقة والتعويض وتخليد الذكرى.
أبدى المحققون قلقهم حيال تعليق تحقيق حكومي لتقصي الحقائق حول انتهاكات التبني السابقة، رغم ورود تقارير عن انتهاكات شديدة، منها حالات قد تصل إلى الاختفاء القسري.
المحددات القانونية
سلّطت كوريا الجنوبية الضوء على إصلاحات سابقة ركزت على منع الانتهاكات، ومنها قانون صدر عام 2011 أعاد الرقابة القضائية على عمليات التبني الدولي، أنهى سيطرة الوكالات الخاصة، وأدى إلى انخفاض ملاحظ في التبني الدولي.
وأشارت الحكومة إلى خطوات حديثة نحو مركزية سلطة التبني، لكنها أكدت أن المزيد من التحقيقات وتعويضات كبرى للضحايا ستعتمد على تشريعات مستقبلية، ولم تُقدّم أي إجراءات لمعالجة الكم الهائل من السجلات غير الدقيقة أو المزورة، ما حال دون تواصل المتبنين مع عائلاتهم الأصلية أو معرفة حقيقة أصولهم.
وصف محامي حقوق الإنسان، تشوي جونغ كيو الذي يُمثّل كيم، رد كوريا الجنوبية بأنه "سطحي"، مشيرًا إلى أن الوعود بتعويضات كبرى لم تُذكر بوضوح في مشاريع القوانين لإعادة تفعيل لجنة الحقيقة والمصالحة للتحقيق في الانتهاكات السابقة.
استخدمت الحكومة حق النقض في أبريل ضد مشروع قانون كان من شأنه إلغاء قانون التقادم لانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالدولة، قبل تولي الرئيس لي جاي ميونغ منصبه، وقدم لي اعتذارًا في أكتوبر عن مشاكل التبني السابقة استنادًا إلى توصية لجنة الحقيقة والمصالحة.
أوضح تشوي الذي يمثل العديد من المدعين أن المتضررين غالبًا ما يواجهون معارك قانونية مطولة عندما ترفض السلطات نتائج لجنة الحقيقة والمصالحة باعتبارها غير حاسمة أو تستند إلى قوانين التقادم المنتهية.
رفعت كيم التماسًا نادرًا للمطالبة بتعويض ضد الحكومة في أغسطس، مؤكدةً أن السلطات وثّقت وضعها كيتيمة زورًا رغم وجود عائلة لها.
وبعد تحقيق استمر قرابة ثلاث سنوات في شكاوى 367 شخصًا مُتبنّى في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، اعترفت لجنة الحقيقة في مارس بأن كيم و55 شخصًا آخرين ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، منها تزوير أصول الأطفال وفقدان السجلات والإخفاقات في حماية الطفل.
توقفت اللجنة قبل أسابيع عن تحقيقها في القضايا، بسبب خلافات داخلية حول الحالات التي تستحق الاعتراف، ويظل مصير 311 حالة مؤجلة أو غير مُراجعة رهينًا بقرار المشرّعين بشأن لجنة حقيقة جديدة.
مسؤولية الدولة
أقرت نتائج اللجنة بمسؤولية الدولة عن تسهيل برنامج التبني الأجنبي الذي عُرف بالاحتيال وسوء المعاملة، إذ كان مدفوعًا بجهود خفض تكاليف الرعاية الاجتماعية، وميسّرًا من قبل وكالات خاصة غالبًا ما تلاعبت بخلفيات الأطفال وأصولهم، وتتوافق النتائج مع تحقيقات سابقة لوكالة "أسوشيتد برس".
كشف تحقيق "أسوشيتد برس" بالتعاون مع برنامج فرونت لاين (PBS) كيف عملت حكومة كوريا الجنوبية والدول الغربية ووكالات التبني معًا لإرسال نحو 200 ألف طفل كوري إلى الخارج، رغم وجود أدلة على أن العديد منهم جُلبوا بوسائل مشبوهة أو غير أخلاقية.
وسنّت الحكومات العسكرية السابقة في سيول قوانين لتشجيع التبني من الخارج، ألغت الرقابة القضائية ومنحت صلاحيات واسعة للوكالات الخاصة التي تجاوزت الإجراءات القانونية السليمة للتخلي عن الأطفال، في حين أُرسل آلاف الأطفال سنويًا إلى الخارج.
وتجاهلت الدول الغربية التجاوزات إلى حد كبير، بل ضغطت أحيانًا على كوريا الجنوبية للحفاظ على هذا التدفق لتلبية الطلب المتزايد على الأطفال.











